حياؤك نور ما أجمله.. إحذر أن تخسره

حياؤك نور ما أجمله.. إحذر أن تخسره


كثيرون هم الذين ننظر في وجوههم فنجدها معتمة، أحيانا نعرف السر، فرداء الحياء على أكتافهم ممزق، والمظهر يدل على المخبر. فسيماهم فيما على صدورهم من صور الماجنين والماجنات، وفي رقابهم ووشوم أجسادهم من علامات الفسق والإنحلال، وملابسهم التي لا تستر... ولكن كثيرا ما تشترك المظاهر وتخفى المخابر، وهنا يعرف سبب العتمة بشهود ما يظهر على الجوارح من أفعال، وكل إناء بما فيه ينضح.

من أصحاب تلك الوجوه المعتمة، من هم كذئاب العتمة وخضراء الدمن، حسنوا الوجه والهندام سيئوا الأخلاق والطباع، يجلسون في المقاهي، دون أن يعطوا الطريق حقها، فما لغض البصر عندهم حسبان، ولا لأعراض الخلق من احترام، فهمُّهم عَجْزُ من مرت أو صدرها، لم يأخذهم الحياء من الرقيب إذ هم في غفلتهم وغيهم يعمهون، ولا من أنفسهم إذ هم في الفساد منغمسون، ولا من الناس إذ هم من الأخلاق متبرئون، فأنى لهؤلاء أن يبقى في وجوههم من نور. ومثلهم فتيات خرجوا في مشيتهم يتبخترون، وبروائحهم يتبارون، يجلسون لتبادل الرسائل بالنقال من صور وأفلام أو عشق وغرام، ويبادرون بخبيث النظرات، وقد علت بينهم الضحكات، وكله مما حسنه لهم الشيطان، يشبع به وجوههم من ظلمته. وقد خابوا إذ ظنوا أن في تلك سعادتهم، وما هي إلا ساعات ومن بعدها حسرات.

-----وآخرون لم ينزهوا ألسنتهم عن الكلمات البذيئة أو المواضيع المعيبة، فتراهم يتراشقون بأقبح الكلمات على أنهم يتسامرون، ويفتحون من السير ما إن خلت عن الغيبة والنميمة والوقوع في الأعراض، كانت للمجاهرة بالعصيان والحديث عما يستر من الأبدان. فهؤلاء خسروا إذ فيهم قال عليه الصلاة والسلام: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين ، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستر الله عليه فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا ، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه "، ورب كلمة تهوي بصاحبها في النار سبعين خريفا، وقال الشعر: لسان الفتى نصف ونصف فؤاده***ولم يبق إلا صورة اللحم والدم، فهؤلاء هم صورة بلا روح، إذ دنسوا ألسنتهم ولم يكرموا عقولهم وأفئدتهم، فبتزيين الخبيث من القول أشغلوها. وشعاع الجَسَدِ رُوحُه، فإذا فقدت الروح فقد شعاعها، فيبقى الوجه مظلما بلا نور.

-----وصنف آخر، زاد في قلة الأدب باعا، إذ حياؤه لم يدفعه لاحترام الكبير أو توقير الصغير، إن خاطب الكبير وذا الشبية آمره، أو الصغيره أذله وقهره، وإن كان مع الأهل والقرابة آذاهم، فتراه مع أبيه كالند يخاطبه، وتراها مع أمها كناكرة الجميل تآمرها، ومع المدرس كالأجير، فلم يكن له من احترام أو تقدير، ومع الأجير كالبهيمة، فلم تأخذه عليه شفقة، ومع البهائم كأن لم يعلم بحديث صاحبة الهرة إذ حبستها، ودخلت النار بفعلتها. فهذا ينظر بعيني شيطان وبوجهه كآبة طاغية جبار.

-----وفي الختام نقول لك بأن حياءك هو تاج والوقار وبه إشراقته، وإكليل الأزهار وبه عبقها، وحلية الكلام وبه أحسنه، وزينة الأفعال وبه أتمها، وشعاع الوجه وبه نضارته، فحياؤك نور ما أجمله إحذر أن تخسره